من وهران إلى لبنان: تكريم مبادرة شبكة “إيناس” كمنصة للتضامن العربي الأكاديمي والإعلامي
في مدينة وهران الجزائرية، اجتمع نخبة من الأكاديميين في مركز البحث في الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية (كراسك) لتكريم وتثمين مبادرة “قوتنا بوحدتنا”، التي أطلقتها الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية استجابة للحرب الإسرائيلية الوحشية على لبنان. جاء هذا اللقاء ليؤكد أن التضامن الإنساني يتجاوز الجغرافيا والهويات الضيقة، ويثبت أن العمل الأكاديمي والإعلامي يمكن أن يكون قوة محورية في مواجهة الأزمات الإنسانية.
أشارت البروفسورة ماريز يونس مؤسسة المبادرة ورئيسة الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات، إلى أن المبادرة التي اطلقتها الشبكة خلال الأشهر الثلاثة الماضية أتت استجابة لتحديات الحرب على لبنان بهدف تثمين المبادرات التضامنية الوطنية التي غلبت المشهد اللبناني وتعزيز قيم الوحدة الوطنية بين اللبنانيين والتشجيع لتكريسها في لبنان ما بعد الحرب، معتبرة أن الشبكة “إيناس” وجدت في المبادرات التضامنية لدى الشباب والنساء والمجتمع الاهلي والمدني فرصة لتجاوز انقسامات اللبنانيين واختلافاتهم، وبارقة مشرقة لبناء عقد جديد يقوم على هذه الارادة الانسانية الطوعية الوطنية التي اخترقت الاختلافات والانتماءات الضيقة.
المبادرة تكونت من “اذرع ثلاثة” كما أوضحت يونس هي (الإنسانية، الإعلامية، والأكاديمية).
الحراك الأكاديمي بحسب يونس، شكل المحرك الأساس للمبادرة نظرا لهوية الشبكة “إيناس” كمنصة اكاديمية تجمع المؤسسات البحثية عربيًا وعالميًا. لكنه في الوقت نفسه شكل ثلاثية متكاملة مع الإعلام والعمل الإنساني. حيث أطلقت الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية (إيناس) بالتوازي مع الذراع الانساني والاعلامي، ذراعا أكاديميا تمثل في سلسلة نقاشات علمية شكلت مساحة لتبادل الرؤى حول الحروب الجديدة. تناولت النقاشات ثلاثة موضوعات أساسية للنقاش، الأل، المدنيون كأدوات الحروب الجديدة، العرب وخطاب الضحية، المثقف العربي ودوره ومسؤوليته المعرفية والأخلاقية في الأزمات الاقليمية والعالمية الكبرى. أهمية هذه النقاشات أنها تجاوزت موضوع العدوان على لبنان وكانت بمشاركة واسعة من باحثين من العالم العربي وربطت تجربته بتجارب أخرى في غزة والمنطقة، مما أتاح فهمًا أعمق للتحولات الراهنة.
على صعيد توحيد الصفوف الأكاديمية العربية، دعت المبادرة لإعادة التفكير في دور المثقف العربي في عالم تتزايد فيه التحديات. فلم تكتف بتقديم نقاشات نظرية، بل سعت إلى
تعزيز الحوار المعرفي العربي بين الباحثين ودعتهم لاستمرار التداول لمناقشة القضايا المشتركةفي المنطقة.تتوجت منصة النقاش بتقارير علمية لخلاصات المداخلات التي شكلت مداخلا عملية للفهم والتصدي والتحليل والبحث العلمي مستقبلا.
ثانيا، أوضحت أن الإعلام كان شريكًا رئيسيًا في نجاح المبادرة، حيث لعب دورًا محوريًا في إيصال صوت لبنان إلى العالم العربي وخارجه. لم يكن مجرد ناقل للأحداث، بل كان أداة لتعزيز الوحدة الوطنية وتسليط الضوء على القيم الانسانية اللبنانية الذي ساهم في إظهار الوجه الحقيقي للبنان في العالم العربي، ليس كبلد ممزق بالانقسامات، بل كوطن قادر على التضامن في أصعب الظروف”.
وحول البرنامج التلفزيوني “قوتنا بوحدتنا” تقول “أن الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية اختارت قناة مريم كمنصة تعكس الالتزام ورسالة الإعلام المسؤول، ركزنا على توثيق قصص النازحين والمبادرين والمتطوعين وتسليط الضوء على الجهود التي بذلت لتخفيف معاناة المتضررين من العدوان”. وتضيف “أتى اختيار قناة مريم رمزيًا، لما تمثله من منصة وطنية غير منحازة استطاعت أن تعكس الروح الجامعة للمبادرة بتعاون كبير واستثنائي من قبل مدير برمجها الاستاذ جورج معلولي”. هذا البرنامج، بحسب يونس، كان منصة لإبراز القيم الإنسانية وإظهار أن التضامن الوطني يمكن أن يكون أقوى من أي خطاب سياسي منقسم خلال الأزمات”.
وأشارت يونس الى ان “التأثير الإعلامي لم يقتصر على لبنان، بل امتد إلى العالم العربي. تعاونت الشبكة “إيناس” مع منصات إعلامية في الجزائر مع جريدة الوسط، في التي فتحت أبوابها لحراك أكاديمي وإعلامي مشترك بقيادة الدكتور جيلالي المستاري، حيث قدمت منصتها للنقاش والتحليل حول الأبعاد المختلفة للأزمة اللبنانية والعلاقات الجزائرية التضامنية المشتركة، مما أضفى طابعًا عربيًا جامعًا على المبادرة.” كما أطلقت الإذاعة الثقافية التونسية ندوة معرفية استضافت نخبة من الأكاديميين من المنطقة والعالم بقيادة الدكتور عبد الحميد عبيدي. كانت هذه الندوة بمثابة مساحة فكرية لتبادل الرؤى وطرح مقاربات جديدة حول الحروب الجديدة.
بدورها، تعاونت الشبكة مع قناة القاهرة الإخبارية لتأمين تغطية متواصلة سلطت الضوء على قضايا لبنان الإنسانية، مركزة على أبعاد العدوان الإسرائيلي وتأثيره على المدنيين وظروف معاناة النازحين وحاجاتهم، وكان لها دور كبير في تعزيز الرأي العام الداعم للقضية اللبنانية.
على المستوى الأكاديمي والإعلامي، نظمت جمعية كتاب التنمية والبيئة المستدامة المصرية، بقيادة الدكتورة ناهد الرواس والدكتور محمود علام، ندوة إعلامية وأكاديمية لتوثيق انتهاكات التراث والعدوان الهمجي على آثار لبنان. سلطت هذه الندوة الضوء على البعد الثقافي، البيئي والإنساني للأزمة، مؤكدة أهمية حماية التراث كمكون أساسي للهوية الثقافية.
كما رافقت المحطات التلفزيونية اللبنانية والعربية المبادرة مثل تلفزيون الغد، وOTV، وأوربت، وتلفزيون لبنان إضافة الى قناة مريم. هذه المنصات عملت على إيصال صوت لبنان إلى العالم العربي، من خلال التغطيات المستمرة والبرامج التي أبرزت العمل الإنساني والمبادرات الوطنية التي قدمها اللبنانيون في ظل العدوان.
على مستوى المواقع الإلكترونية، تشير د. يونس الى الشبكة الاعلامية “نيوز بريس” كإحدى الشركاء الأساسيين لمبادرة “قوتنا بوحدتنا”، حيث لعبت دورًا رياديًا في تحقيق أهداف المبادرة وتوسيع نطاق تأثيرها. تحت قيادة مديرها الأستاذ طلال مرتضى، استطاعت الشبكة أن تتجاوز دور التغطية الإخبارية التقليدية لتؤسس شبكة من المواقع الصديقة التي رافقت المبادرة في جميع مراحلها.
وفي خطوة إضافية نحو تعميق التشبيك الإعلامي، انضمت الوكالة الكندية للأخبار، بالتنسيق مع الأستاذ فتحي الضبع من مصر، إلى هذا الجهد الجماعي، حيث أسهمت في تعزيز البعد الإقليمي والدولي للمبادرة. هذا التعاون الإعلامي، الذي جمع بين مواقع إلكترونية محلية ودولية، شكّل نموذجًا ناجحًا لدور الإعلام في خدمة القضايا الإنسانية والوطنية، حيث لم يكن مجرد أداة للنشر بل قوة دفع لتعزيز التضامن وتوسيع نطاق التأثير، مؤكدًا على أهمية الإعلام كشريك استراتيجي في تحقيق أهداف المبادرات الكبرى.
أخيرا، أشارت د. ماريز الى أن لقاء وهران – الجزائر، لم يكن مجرد احتفاء بإنجازات المبادرة، بل كان دعوة للتفكير في الخطوات القادمة، في كيفية مواصلة العمل المشترك وتعزيزه، ليس فقط كعمل أكاديمي ومعرفي، بل التزاما بقيم العدالة الاجتماعية التي تعتبر من أهم القيم التي تشكل بروفايل الباحثين وتمثل هويتهم “كمثقفين”.
وختمت يونس مؤكدة على أن المبادرة هي مسار طويل من العمل المشتركـ لم تنته بوقف الحرب على لبنان. فمبادرة “قوتنا بوحدتنا” مستمرة للتأكيد على أن القيم الإنسانية هي الرابط الذي يجمعنا جميعًا، وأن التضامن ليس خيارًا، بل هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتقنا جميعا. ووجهت شكر خاص لأعضاء الفريق المصغر في المبادرة الذي تفانى في العمل من أجل انجاحها وخصوصا د. جيلالي المستاري من الجزائر، د. عبد الحميد عبيدي من تونس، واستاذ محمد زهوة والاستاذة نور ابراهيم واستاذه فاطمة المحمودي من لبنان واستاذ ابراهيم أخضر من لبنان، ولجميع الأكاديميين والاعلاميين والناشطين الذين رافقوا المبادرة وأثبتوا أن القوة تكمن دوما في الاتحاد.
Comments are closed for this post.